قصيدة نَعاءِ إِلى كُلِّ حَيٍّ نَعاءِ للشاعر أَبو تَمّام
نَـــعـــاءِ إِلى كُـــلِّ حَـــيٍّ نَــعــاءِ
فَـتـى العَـرَبِ اِحـتَلَّ رَبعَ الفَناءِ
أُصِـبـنـا جَـمـيـعـاً بِـسَهمِ النِضالِ
فَهَــلّا أُصِــبــنـا بِـسَهـمِ الغِـلاءِ
أَلا أَيُّهــا المَــوتُ فَــجَّعــتَــنــا
بِــمـاءِ الحَـيـاةِ وَمـاءِ الحَـيـاءِ
فَـــمـــاذا حَـــضَـــرتَ بِهِ حــاضِــراً
وَمــاذا خَــبَــأتَ لِأَهــلِ الخِـبـاءِ
نَــعــاءِ نَــعــاءِ شَــقــيـقَ النَـدى
إِلَيــهِ نَــعِــيّــاً قَــليـلَ الجَـداءِ
وَكـانـا جَـمـيـعـاً شَـريـكَـي عِـنانٍ
رَضــيــعَــي لِبــانٍ خَـليـلَي صَـفـاءِ
عَــلى خــالِدِ بــنِ يَـزيـدَ بـنِ مَـز
يَـدِ أَمـرِ دُمـوعـاً نَـجـيـعـاً بِماءِ
وَلا تَــــرَيَــــنَّ البُــــكـــا سُـــبَّةً
وَأَلصِـــق جَـــوىً بِـــلَهـــيــبٍ رَواءِ
فَــقَــد كَــثَّرَ الرُزءُ قَـدرَ الدُمـو
عِ وَقَـد عَـظَّمَ الخَطبُ شَأنَ البُكاءِ
فَــــبــــاطِـــنُهُ مَـــلجَـــأٌ لِلأَســـى
وَظـــاهِـــرُهُ مـــيـــسَـــمٌ لِلوَفـــاءِ
مَــــضـــى المَـــلِكُ الوائِلِيُّ الَّذي
حَـلَبـنـا بِهِ العَـيشَ وُسعَ الإِناءِ
فَـأَودى النَـدى ناضِرَ العودِ وَال
فُــتُــوَّةُ مَــغـمـوسَـةً فـي الفَـتـاءِ
فَــأَضــحَــت عَــلَيـهِ العُـلى خُـشَّعـاً
وَبَـيـتُ السَـمـاحَـةِ مُـلقى الكِفاءِ
وَقَـد كـانَ مِـمّـا يُـضـيـءُ السَـريرَ
وَالبَهـــوَ يَـــمـــلَأُهُ بِـــالبَهــاءِ
سَــلِ المُـلكَ عَـن خـالِدٍ وَالمُـلوكَ
بِـقَـمـعِ العِـدى وَبِـنَـفـيِ العَـداءِ
أَلَم يَـــكُ أَقـــتَـــلَهُـــم لِلأُســودِ
صَـــبـــراً وَأَوهَـــبَهُـــم لِلظِــبــاءِ
أَلَم يَــجــلِبِ الخَــيـلَ مِـن بـابِـلٍ
شَـــوازِبَ مِـــثــلَ قِــداحِ السَــراءِ
فَــمَــدَّ عَــلى الثَــغـرِ إِعـصـارَهـا
بِـــرَأيٍ حُـــســامٍ وَنَــفــسٍ فَــضــاءِ
فَـــلَمّـــا تَـــراءَت عَـــفـــاريـــتُهُ
سَــنــا كَــوكَــبٍ جـاهِـلِيِّ السَـنـاءِ
وَقَــد سَــدَّ مَـنـدوحَـةَ القـاصِـعـاءِ
مِــنــهُــم وَأَمــسَــكَ بِـالنـافِـقـاءِ
طَــوى أَمــرَهُـم عَـنـوَةً فـي يَـدَيـهِ
طَــــيَّ السِــــجِــــلِّ وَطَــــيَّ الرِداءِ
أَقَـرّوا لَعَـمـري بِـحُـكـمِ السُـيـوفِ
وَكــانَــت أَحَــقَّ بِــفَـصـلِ القَـضـاءِ
وَمـــا بِـــالوِلايَـــةِ إِقـــرارُهُــم
وَلَكِــــن أَقَــــرّوا لَهُ بِــــالوَلاءِ
أُصِـبـنـا بِـكَـنـزِ الغِنى وَالإِمامُ
أَمـسـى مَـصـابـاً بِـكَـنـزِ الغَـنـاءِ
وَمـا إِن أُصـيـبَ بِـراعـي الرَعِـيَّةِ
لا بَــل أُصــيـبَ بِـراعـي الرِعـاءِ
يَــقــولُ النِــطــاسِــيُّ إِذ غُــيِّبــَت
عَــــنِ الداءِ حـــيـــلَتُهُ وَالدَواءِ
نُــبُــوُّ المَــقــيـلِ بِهِ وَالمَـبـيـتِ
أَقـــعَـــصَهُ وَاِخـــتِـــلافُ الهَــواءِ
وَقَــد كـانَ لَو رُدَّ غَـربُ الحِـمـامِ
شَــديــدَ تَــوَقٍّ طَــويــلَ اِحــتِـمـاءِ
مُـــعَـــرَّسُهُ فــي ظِــلالِ السُــيــوفِ
وَمَــشــرَبُهُ مِــن نَــجــيـعِ الدِمـاءِ
ذُرى المِـنـبَـرِ الصَـعـبِ مِـن فُرشِهِ
وَنـــارُ الوَغـــا نــارُهُ لِلصِــلاءِ
وَمـا مِـن لَبـوسٍ سِـوى السـابِـغاتِ
تَــرَقــرَقُ مِــثــلَ مُــتـونِ الإِضـاءِ
فَهَــل كــانَ مُـذ كـانَ حَـتّـى مَـضـى
حَــمـيـداً لَهُ غَـيـرُ هَـذا الغِـذاءِ
أَذُهـلَ بـنَ شَـيـبـانَ ذُهـلَ الفَخارِ
وَذُهــلَ النَــوالِ وَذُهــلَ العَــلاءِ
مَــضــى خـالِدُ بـنُ يَـزيـدَ بـنَ مَـز
يَـدَ قَـمَـرُ اللَيـلِ شَـمـسُ الضَـحـاءِ
وَخَـــلّى مَـــســـاعِـــيَهُ بَــيــنَــكُــم
فَــإِيّـايَ فـيـهـا وَسَـعـيَ البِـطـاءِ
رِدوا المَـوتَ مُـرّاً وُرودَ الرِجالِ
وَبَــكّــوا عَـلَيـهِ بُـكـاءَ النِـسـاءِ
غَــــليـــلي عَـــلى خـــالِدٍ خـــالِدٌ
وَضَــيــفُ هُـمـومـي طَـويـلُ الثَـواءِ
فَـلَم يُـخـزِنـي الصَـبـرُ عَـنـهُ وَلا
تَــقَــنَّعــتُ عــاراً بِـلُؤمِ العَـزاءِ
تَـــذَكَّرتُ خُـــضـــرَةَ ذاكَ الزَمـــانِ
لَدَيــهِ وَعُــمــرانُ ذاكَ الفِــنــاءِ
وَزُوّارُهُ لِلعَــــطـــايـــا حُـــضـــورٌ
كَــــأَنَّ حُــــضـــورَهُـــمُ لِلعَـــطـــاءِ
وَإِذ عِـــــلمُ مَـــــجــــلِسِهِ مَــــورِدٌ
زُلالٌ لِتِــلكَ العُــقــولِ الظِـمـاءِ
تَــحــولُ السَــكــيـنَـةُ دونَ الأَذى
بِهِ وَالمُــــــرُوَّةُ دونَ المِــــــراءِ
وَإِذ هُــوَ مُــطـلِقُ كَـبـلِ المَـصـيـفِ
وَإِذ هُـوَ مِـفـتـاحُ قَـيـدِ الشِـتـاءِ
لَقَــد كـانَ حَـظّـي غَـيـرَ الخَـسـيـسِ
مِــن راحَــتَــيــهِ وَغَــيـرَ اللَفـاءِ
وَكُــنــتُ أَراهُ بِــعَــيــنِ الرَئيــسِ
وَكــانَ يَــرانــي بِـعَـيـنِ الإِخـاءِ
أَلَهـــفـــي عَـــلى خـــالِدٍ لَهــفَــةً
تَــكــونُ أَمــامــي وَأُخــرى وَرائي
أَلَهــــفـــي إِذا مـــا رَدى لِلرَدى
أَلَهـفـي إِذا مـا اِحـتَبى لِلحِباءِ
أَلَحــدٌ حَــوى حَــيَّةــَ المُــلحِـديـنَ
وَلَدنُ ثَـــرىً حـــالَ دونَ الثَــراءِ
جَـزَت مَـلِكـاً فـيـهِ رَيّـا الجَـنـوبِ
وَرائِحَــةُ المُــزنِ خَــيـرَ الجَـزاءِ
فَــكَــم غَــيَّبــَ التَــربُ مِـن سُـؤدَدٍ
وَغـالَ البِـلى مِـن جَـميلِ البَلاءِ
أَبــا جَــعــفَــرٍ لِيُــعِـركَ الزَمـانُ
عِــزّاً وَيُــكــسِــبـكَ طـولَ البَـقـاءِ
فَـمـا مُـزنُـكَ المُـرتَـجى بِالجَهامِ
وَلا ريـحُـنـا مِـنـكَ بِـالجِـربِـياءِ
وَلا رَجَــعَـت فـيـكَ تِـلكَ الظُـنـونُ
حَـيـارى وَلا اِنـسَـدَّ شِعبُ الرَجاءِ
وَقَــد نُــكِـسَ الثَـغـرُ فَـاِبـعَـث لَهُ
صُدورَ القَنا في اِبتِغاءِ الشِفاءِ
فَــقَــد فــاتَ جَــدُّكَ جَــدَّ المُــلوكِ
وَعُــمــرُ أَبــيــكَ حَـديـثُ الضِـيـاءِ
وَلَم يَـــرضَ قَـــبــضَــتَهُ لِلحُــســامِ
وَلا حَــــمــــلَ عـــاتِـــقِهِ لِلرِداءِ
فَــمــازالَ يَــفــرَعُ تِــلكَ العُــلى
مَـعَ النَـجـمِ مُـرتَـدِيـاً بِـالعَـماءِ
وَيَــصــعَــدُ حَــتّــى لَظَــنَّ الجَهــولُ
أَنَّ لَهُ مَـــنـــزِلاً فــي السَــمــاءِ
وَقَــد جــاءَنــا أَنَّ تِـلكَ الحُـروبَ
إِذا حُــدِيَــت فَـاِلتَـوَت بِـالحُـداءِ
وَعـــــاوَدَهـــــا جَــــرَبٌ لَم يَــــزَل
يُــعــاوِدُ أَســعــافَهـا بِـالهَـنـاءِ
وَيَــمـتَـحُ سَـجـلاً لَهـا كَـالسِـجـالِ
وَدَلواً إِذا أُفـــرِغَـــت كَــالدِلاءِ
وَمِــثــلُ قُـوى حَـبـلِ تِـلكَ الذِراعِ
كــــــانَ لِزازاً لِذاكَ الرِشــــــاءِ
فَــلا تُــخــزِ أَيّــامَهُ الصـالِحـاتِ
وَمـا قَـد بَـنـى مِن جَليلِ البِناءِ
فَــقَــد عَــلِمَ اللَهُ أَن لَن تُــحِــبَّ
شَــيــئاً كَــحُــبِّكــَ كَـنـزَ الثَـنـاءِ
شاركنا بتعليق وشرح مفيد