قصيدة عُقبى اليَمينِ عَلى عُقبى الوَغى نَدَمُ للشاعر المُتَنَبّي
عُقبى اليَمينِ عَلى عُقبى الوَغى نَدَمُ
مـاذا يَـزيـدُكَ فـي إِقـدامِـكَ القَـسَـمُ
وَفـي اليَـمـيـنِ عَـلى مـا أَنتَ واعِدُهُ
مــا دَلَّ أَنَّكــَ فـي المـيـعـادِ مُـتَّهـَمُ
آلى الفَـتـى اِبـنُ شُـمُـشـقيقٍ فَأَحنَثَهُ
فَـتـىً مِـنَ الضَـربِ تُنسى عِندَهُ الكَلِمُ
وَفـاعِـلٌ مـا اِشـتَهـى يُـغـنِهِ عَـن حَلِفٍ
عَـلى الفِـعـالِ حُـضورُ الفِعلِ وَالكَرَمُ
كُـلُّ السُـيـوفِ إِذا طـالَ الضِرابُ بِها
يَـمَـسُهـا غَـيـرَ سَـيـفِ الدَولَةِ السَـأَمُ
لَو كَــلَّتِ الخَــيـلُ حَـتّـى لا تَـحَـمَّلـَهُ
تَــحَــمَّلــَتــهُ إِلى أَعــدائِهِ الهِــمَــمُ
أَينَ البَطاريقُ وَالحَلفُ الَّذي حَلَفوا
بِـمَـفرَقِ المَلكِ وَالزَعمُ الَّذي زَعَموا
وَلّى صَــــوارِمَهُ إِكــــذابَ قَــــولِهِــــمِ
فَهُــنَّ أَلسِــنَــةٌ أَفــواهُهــا القِــمَــمُ
نَــواطِــقٌ مُــخــيِـراتٌ فـي جَـمـاجِـمِهِـم
عَـنـهُ بِـمـا جَهِـلوا مِـنهُ وَما عَلِموا
الراجِــعُ الخَــيــلَ مُــحـفـاةً مُـقَـوَّدَةً
مِــن كُــلِّ مِــثـلِ وَبـاري أَهـلُهـا إِرَمُ
كَــتَــلِّ بِـطـريـقٍ المَـغـرورِ سـاكِـنُهـا
بِــــأَنَّ دارَكَ قِـــنَّســـريـــنُ وَالأَجَـــمُ
وَظَــنِّهــِم أَنَّكــَ المِــصـبـاحُ فـي حَـلَبٍ
إِذا قَــصَـدتَ سِـواهـا عـادَهـا الظُـلَمُ
وَالشَـمـسُ يَـعـنـونَ إِلّا أَنَّهـُم جَهِلوا
وَالمَـوتَ يَـدعـونَ إِلّا أَنَّهـُم وَهَـمـوا
فَــلَم تُــتِــمَّ سَــروجٌ فَــتـحَ نـاظِـرِهـا
إِلّا وَجَــيــشُـكَ فـي جَـفـنَـيـهِ مُـزدَحِـمُ
وَالنَـقـعُ يَـأخُـذُ حَـرّانـاً وَبَـقـعَـتَهـا
وَالشَـمـسُ تَـسـفِـرُ أَحـيـانـاً وَتَـلتَـثِمُ
سُــحـبٌ تَـمُـرُّ بِـحِـصـنِ الرانِ مُـمـسِـكَـةً
وَمـا بِهـا البُـخـلُ لَولا أَنَّهـا نِـقَمُ
جَـــيـــشٌ كَــأَنَّكــَ فــي أَرضٍ تُــطــاوِلُهُ
فَــالأَرضُ لا أُمَـمٌ وَالجَـيـشُ لا أَمَـمُ
إِذا مَــضــى عَــلَمُ مِــنـهـا بَـدا عَـلَمٌ
وَإِن مَــضــى عَــلَمٌ مِــنــهُ بَــدا عَــلَمُ
وَشُــزَّبٌ أَحــمَــتِ الشِــعـرى شَـكـائِمَهـا
وَوَسَّمــَتــهــا عَــلى آنـافِهـا الحَـكَـمُ
حَــتّــى وَرَدنَ بِــسِـمـنـيـنٍ بُـحَـيـرَتِهـا
تَـنِـشُّ بِـالمـاءِ فـي أَشـداقِها اللُجُمُ
وَأَصــبَــحَــت بِــقَــرى هِـنـزيـطَ جـائِلَةً
تَـرعـى الظُبى في خَصيبٍ نَبتُهُ اللِمَمُ
فَــمــا تَــرَكــنَ بِهـا خُـلداً لَهُ بَـصَـرٌ
تَــحــتَ التُــرابِ وَلا بـازاً لَهُ قَـدَمُ
وَلا هِـــزَبـــراً لَهُ مِـــن دِرعِهِ لِبَـــدٌ
وَلا مَهــاةً لَهــا مِـن شِـبـهِهـا حَـشَـمُ
تَـرمـي عَـلى شَـفَـراتِ البـاتِراتِ بِهِم
مَـكـامِـنُ الأَرضِ وَالغـيـطـانُ وَالأَكَمُ
وَجــاوَزوا أَرسَـنـاسـاً مُـعـصِـمـيـنَ بِهِ
وَكَـيـفَ يَـعـصِـمُهُـم مـا لَيـسَ يَـنـعَـصِـمُ
وَمــا يَــصُــدُّكَ عَــن بَــحـرٍ لَهُـم سَـعَـةٌ
وَمــا يَــرُدُّكَ عَــن طَــودٍ لَهُــم شَــمَــمُ
ضَــرَبــتَهُ بِــصُــدورِ الخَــيــلِ حـامِـلَةً
قَـومـاً إِذا تَلِفوا قُدماً فَقَد سَلِموا
تَــجَــفَّلــُ المَـوجُ عَـن لَبّـاتِ خَـيـلِهِـمِ
كَـمـا تَـجَـفَّلـُ تَـحـتَ الغـارَةِ النَـعَـمُ
عَــبَــرتَ تَــقــدُمُهُــم فـيـهِ وَفـي بَـلَدٍ
سُــكّــانُهُ رِمَــمٌ مَــســكــونُهــا حُــمَــمُ
وَفــي أَكُــفِّهــِمِ النـارُ الَّتـي عُـبِـدَت
قَـبـلَ المَجوسِ إِلى ذا اليَومِ تَضطَرِمُ
هِـنـدِيَّةـٌ إِن تُـصَـغِّر مَـعـشَـراً صَـغُـروا
بِـحَـدِّهـا أَو تُـعَـظِّمـ مَـعـشَـراً عَـظَموا
قـاسَـمـتَهـا تَـلَّ بِـطـريـقٍ فَـكـانَ لَها
أَبــطــالُهـا وَلَكَ الأَطـفـالُ وَالحُـرَمُ
تَــلقـى بِهِـم زَبَـدَ التَـيّـارِ مُـقـرَبَـةٌ
عَــلى جَــحــافِــلِهــا مِـن نَـضـحِهِ رَثَـمُ
دُهــمٌ فَــوارِسُهــا رُكّــابُ أَبــطُــنِهــا
مَـــكـــدودَةٌ بِــقَــومٍ لا بِهــا الأَلَمُ
مِـنَ الجِـيـادِ الَّتـي كِدتَ العَدُوَّ بِها
وَمــا لَهــا خِــلَقٌ مِــنـهـا وَلا شِـيَـمُ
نِــتــاجُ رَأيِــكَ فــي وَقـتٍ عَـلى عَـجَـلٍ
كَـــلَفـــظِ حَــرفٍ وَعــاهُ ســامِــعٌ فَهِــمُ
وَقَـد تَـمَـنَّوا غَـداةَ الدَربِ فـي لَجَـبٍ
أَن يُـبـصِـروكَ فَـلَمّـا أَبـصَـروكَ عَـموا
صَــدَمــتَهُــم بِــخَــمــيــسٍ أَنــتَ غُــرَّتُهُ
وَسَـــمـــهَـــرِيَّتـــُهُ فــي وَجــهِهِ غَــمَــمُ
فَــكـانَ أَثـبَـتَ مـا فـيـهِـم جُـسـومُهُـمُ
يَــســقُـطـنَ حَـولَكَ وَالأَرواحُ تَـنـهَـزِمُ
وَالأَعــوَجِــيَّةــُ مِـلءَ الطُـرقِ خَـلفَهُـمُ
وَالمَــشــرَفِـيَّةـُ مِـلءَ اليَـومِ فَـوقَهُـمُ
إِذا تَــوافَــقَــتِ الضَــربــاتُ صـاعِـدَةً
تَــوافَــقَــت قُـلَلٌ فـي الجَـوِّ تَـصـطَـدِمُ
وَأَســلَمَ اِبــنُ شُــمُــشــقــيــقٍ أَلِيَّتــَهُ
أَلّا اِنـثَـنـى فَهـوَ يَنأى وَهيَ تَبتَسِمُ
لا يَـأمُـلُ النَـفَـسَ الأَقـصـى لِمُهجَتِهِ
فَـيَـسـرِقُ النَـفَـسَ الأَدنـى وَيَـغـتَـنِـمُ
تَـرُدُّ عَـنـهُ قَـنـا الفُـرسـانِ سـابِـغَـةٌ
صَــوبُ الأَسِــنَّةـِ فـي أَثـنـائِهـا دِيَـمُ
تَـخُـطُّ فـيـهـا العَـوالي لَيسَ تَنفُذُها
كَـــأَنَّ كُـــلَّ سِـــنـــانٍ فَــوقَهــا قَــلَمُ
فَـلا سَـقى الغَيثُ ما واراهُ مِن شَجَرٍ
لَو زَلَّ عَــنــهُ لَوارَت شَــخـصَهُ الرَخَـمُ
أَلهـى المَـمـالِكَ عَـن فَـخـرٍ قَفَلتَ بِهِ
شُـربُ المُـدامَـةِ وَالأَوتـارُ وَالنَـغَـمُ
مُــقَــلَّداً فَــوقَ شُـكـرِ اللَهِ ذا شُـطَـبٍ
لا تُـسـتَـدامُ بِـأَمـضـى مِنهُما النِعَمُ
أَلقَـت إِلَيـكَ دِمـاءُ الرومِ طـاعَـتَهـا
فَـــلَو دَعَـــوتَ بِــلا ضَــربٍ أَجــابَ دَمُ
يُـسـابِـقُ القَـتـلُ فـيـهِـم كُـلَّ حـادِثَةٍ
فَــمــا يُــصــيــبُهُــمُ مَــوتٌ وَلا هَــرَمُ
نَــفَــت رُقــادَ عَــلِيٍّ عَــن مَــحــاجِــرِهِ
نَـفـسٌ يُـفَـرِّجُ نَـفـسـاً غَـيـرَهـا الحُلُمُ
القـائِمُ المَـلِكُ الهادي الَّذي شَهِدَت
قِــيــامَهُ وَهُــداهُ العُــربُ وَالعَــجَــمُ
اِبــنُ المُــعَـفِّرِ فـي نَـجـدٍ فَـوارِسَهـا
بِـــسَـــيـــفِهِ وَلَهُ كـــوفــانُ وَالحَــرَمُ
لا تَــطــلُبَــنَّ كَـريـمـاً بَـعـدَ رُؤيَـتِهِ
إِنَّ الكِـرامَ بِـأَسـخـاهُـم يَـداً خُتِموا
وَلا تُــبــالِ بِــشِــعــرٍ بَـعـدَ شـاعِـرِهِ
قَـد أُفـسِـدَ القَـولُ حَتّى أُحمِدَ الصَمَمُ
شاركنا بتعليق وشرح مفيد