قصيدة طِوالُ قَناً تُطاعِنُها قِصارُ للشاعر المُتَنَبّي
طِــوالُ قَــنــاً تُـطـاعِـنُهـا قِـصـارُ
وَقَــطــرُكَ فــي نَـدىً وَوَغـىً بِـحـارُ
وَفـيـكَ إِذا جَـنـى الجـانـي أَناةٌ
تُــظَــنُّ كَــرامَــةً وَهِــيَ اِحــتِـقـارُ
وَأَخـــذٌ لِلحَـــواصِـــرِ وَالبَـــوادي
بِـــضَـــبـــطٍ لَم تُـــعَـــوَّدهُ نِـــزارُ
تَــشَــمَّمــُهُ شَـمـيـمَ الوَحـشِ إِنـسـاً
وَتُــنــكِــرُهُ فَــيَــعــروهــا نِـفـارُ
وَمـا اِنـقـادَت لِغَـيـرِكَ فـي زَمانٍ
فَـتَـدري مـا المَـقـادَةَ وَالصِـغارُ
فَــقَــرَّحــتِ المَـقـاوِدُ ذِفـرَيَـيـهـا
وَصَـــعَّرَ خَـــدَّهـــا هَـــذا العِــذارُ
وَأَطـمَـعَ عـامِـرَ البُـقـيـا عَـلَيها
وَنَــزَّقَهــا اِحــتِــمـالُكَ وَالوَقـارُ
وَغَــيَّرَهـا التَـراسُـلُ وَالتَـشـاكـي
وَأَعــجَــبَهــا التَـلَبُّبـُ وَالمُـغـارُ
جِــيـادٌ تَـعـجِـزُ الأَرسـانُ عَـنـهـا
وَفُــرســانٌ تَــضـيـقُ بِهـا الدِيـارُ
وَكــانَــت بِــالتَـوَقُّفـِ عَـن رَداهـا
نُــفــوســاً فـي رَداهـا تُـسـتَـشـارُ
وَكُــنــتَ السَــيـفَ قـائِمُهُ إِلَيـهِـم
وَفــي الأَعــداءِ حَــدُّكَ وَالغِــرارُ
فَــأَمــسَــت بِــالبَــدِيَّةـِ شَـفـرَتـاهُ
وَأَمــســى خَــلفَ قــائِمِهِ الحِـيـارُ
وَكــانَ بَــنــو كِــلابٍ حَـيـثُ كَـعـبٌ
فَـخـافوا أَن يَصيروا حَيثُ صاروا
تَــــلَقَّوا عِـــزَّ مَـــولاهُـــم بِـــذُلٍّ
وَســارَ إِلى بَــنـي كَـعـبٍ وَسـاروا
فَــأَقــبَــلَهــا المُـروجَ مُـسَـوَّمـاتٍ
ضَــوامِــرَ لا هِــزالَ وَلا شِــيــارُ
تُــثـيـرُ عَـلى سَـلَمـيَـةَ مُـسـبَـطِـرّاً
تَــنــاكَــرُ نَـحـتَهُ لَولا الشِـعـارُ
عَـجـاجـاً تَـعـثُـرُ العِـقـبـانُ فـيهِ
كَـــأَنَّ الجَـــوَّ وَعـــثٌ أَو خَـــبــارُ
وَظَـلَّ الطَـعـنُ فـي الخَيلَينِ خَلساً
كَـأَنَّ المَـوتَ بَـيـنَهُـمـا اِخـتِـصارُ
فَـــلَزَّهُـــمُ الطِــرادُ إِلى قِــتــالٍ
أَحَــدُّ سِــلاحِهِــم فــيــهِ الفِــرارُ
مَـضَـوا مُـتَـسـابِـقي الأَعضاءِ فيهِ
لِأرؤسِهِـــم بِـــأَرجُــلِهِــم عِــثــارُ
يَـــشُـــلُّهُـــمُ بِـــكُـــلِّ أَقَـــبَّ نَهــدٍ
لِفــارِسِهِ عَــلى الخَـيـلِ الخِـيـارُ
وَكُــلِّ أَصَــمَّ يَــعــسِــلُ جــانِــبــاهُ
عَـلى الكَـعـبَـيـنِ مِـنـهُ دَمٌ مُـمارُ
يُـــغـــادِرُ كُــلَّ مُــلتَــفِــتٍ إِلَيــهِ
وَلَبَّتـــــُهُ لِثَـــــعـــــلَبِهِ وَجـــــارُ
إِذا صَـرَفَ النَهـارُ الضَـوءَ عَـنهُم
دَجـــا لَيـــلانِ لَيــلٌ وَالغُــبــارُ
وَإِن جُـنـحُ الظَـلامِ اِنـجابَ عَنهُم
أَضــاءَ المَــشــرَفِــيَّةــُ وَالنَهــارُ
يُــبَــكّــي خَــلفَهُــم دَثــرٌ بُــكــاهُ
رُغــــاءٌ أَو ثُــــؤاجٌ أَو يُـــعـــارُ
غَـطـا بِـالعِـثـيَـرِ البَـيـداءَ حَتّى
تَــحَــيَّرَتِ المَــتــالي وَالعِــشــارُ
وَمَــرّوا بِـالجَـبـاةِ يَـضُـمُّ فـيـهـا
كِـلا الجَـيـشَـيـنِ مِـن نَـقـعٍ إِزارُ
وَجـاؤوا الصَـحـصَـحـانَ بِـلا سُروجٍ
وَقَـد سَـقَـطَ العِـمـامَـةُ وَالخِـمـارُ
وَأُرهِـــقَـــتِ العَــذارى مُــردَفــاتٍ
وَأَوطِــئَتِ الأُصَــيــبِـيَـةُ الصِـغـارُ
وَقَــد نُـزِحَ الغُـوَيـرُ فَـلا غُـوَيـرٌ
وَنِهــيــا وَالبُـيَـيـضَـةُ وَالجِـفـارُ
وَلَيــسَ بِــغَـيـرِ تَـدمُـرَ مُـسـتَـغـاثٌ
وَتَــدمُــرُ كَــاِســمِهــا لَهُـمُ دَمـارُ
أَرادوا أَن يُديروا الرَأيَ فيها
فَـــصَـــبَّحـــَهُـــم بِــرَأيٍ لا يُــدارُ
وَجَـــيـــشٍ كُــلَّمــا حــاروا بِــأَرضٍ
وَأَقــبَــلَ أَقــبَــلَت فــيــهِ تَـحـارُ
يَـــحُـــفُّ أَغَـــرَّ لا قَـــوَدٌ عَــلَيــهِ
وَلا دِيَــةٌ تُــســاقُ وَلا اِعـتِـذارُ
تُــريــقُ سُــيــوفُهُ مُهَـجَ الأَعـادي
وَكُــــلُّ دَمٍ أَراقَــــتــــهُ جُـــبـــارُ
فَـكـانـوا الأُسـدَ لَيسَ لَها مَصالٌ
عَــلى طَــيــرٍ وَلَيــسَ لَهــا مَـطـارُ
إِذا فـاتـوا الرِمـاحَ تَـناوَلَتهُم
بِــأَرمــاحٍ مِــنَ العَـطَـشِ القِـفـارُ
يَــرَونَ المَــوتَ قُــدّامــاً وَخَـلفـاً
فَــيَــخــتـارونَ وَالمَـوتُ اِضـطِـرارُ
إِذا سَــلَكَ السَــمـاوَةَ غَـيـرُ هـادٍ
فَــقَــتــلاهُــم لِعَــيــنَـيـهِ مَـنـارُ
وَلَو لَم تُـبـقِ لَم تَـعِـشِ البَقايا
وَفـي المـاضـي لِمَـن بَقِيَ اِعتِبارُ
إِذا لَم يُــرعِ سَــيِّدُهُــم عَــلَيـهِـم
فَــمَـن يُـرعـي عَـلَيـهِـم أَو يَـغـارُ
تُــفَــرِّقُهُــم وَإِيّــاهُ السَــجــايــا
وَيَــجــمَــعُهُــم وَإِيّــاهُ النِــجــارُ
وَمـــالَ بِهـــا عَـــلى أَرَكٍ وَعُـــرضٍ
وَأَهـــلُ الرَقَّتـــَيــنِ لَهــا مَــزارُ
وَأَجــفَـلَ بِـالفُـراتِ بَـنـو نُـمَـيـرٍ
وَزَأرُهُـــــمُ الَّذي زَأَروا خُـــــوارُ
فَهُـم حِـزَقٌ عَـلى الخـابـورِ صَـرعى
بِهِــم مِــن شُــربِ غَــيـرِهِـمِ خُـمـارُ
فَـلَم يَـسـرَح لَهُـم في الصُبحِ مالٌ
وَلَم تــوقَــد لَهُـم بِـاللَيـلِ نـارُ
حِـذارَ فَـتـىً إِذا لَم يَـرضَ عَـنـهُم
فَــلَيــسَ بِــنــافِــعٍ لَهُـمُ الحِـذارُ
تَــبــيــتُ وُفــودُهُـم تَـسـري إِلَيـهِ
وَجَـدواهُ الَّتـي سَـأَلوا اِغـتِـفـارُ
فَــخَــلَّفَهُــم بِـرَدِّ البـيـضِ عَـنـهُـم
وَهـــامُهُـــمُ لَهُ مَـــعَهُـــم مُــعــارُ
وَهُـــم مِـــمَّنــ أَذَمَّ لَهُــم عَــلَيــهِ
كَـريـمُ العِـرقِ وَالحَـسَـبُ النُـضارُ
فَــأَصــبَـحَ بِـالعَـواصِـمِ مُـسـتَـقِـرّاً
وَلَيـــسَ لِبَـــحـــرِ نـــائِلِهِ قَــرارُ
وَأَضـــحـــى ذِكـــرُهُ فـــي كُــلِّ أَرضٍ
تُـدارُ عَـلى الغِـنـاءِ بِهِ العُقارُ
تَــخِــرُّ لَهُ القَــبــائِلُ ســاجِــداتٍ
وَتَــحــمَــدُهُ الأَسِــنَّةــُ وَالشِـفـارُ
كَــأَنَّ شُـعـاعَ عَـيـنِ الشَـمـسِ فـيـهِ
فَـفـي أَبـصـارِنـا مِـنـهُ اِنـكِـسـارُ
فَــمَــن طَــلَبَ الطِـعـانَ فَـذا عَـلِيٌّ
وَخَــيــلُ اللَهِ وَالأَسَــلُ الحِــرارُ
يَــراهُ النـاسُ حَـيـثُ رَأَتـهُ كَـعـبٌ
بِــأَرضٍ مــا لِنــازِلِهـا اِسـتِـتـارُ
يُـــوَسِّطـــُهُ المَــفــاوِزَ كُــلَّ يَــومٍ
طِـلابُ الطـالِبـيـنَ لا الاِنتِظارُ
تَــصــاهَــلُ خَــيــلُهُ مُــتَــجـاوِبـاتٍ
وَمـا مِـن عـادَةِ الخَـيـلِ السِـرارُ
بَــنــو كَــعــبٍ وَمـا أَثَّرتَ فـيـهِـم
يَـــدٌ لَم يُـــدمِهــا إِلّا السِــوارُ
بِهــا مِــن قِــطــعَــةٍ أَلَمٌ وَنَــقــصٌ
وَفــيــهـا مِـن جَـلالَتِهِ اِفـتِـخـارُ
لَهُــم حَــقٌّ بِــشِــركِــكَ فــي نِــزارٍ
وَأَدنــى الشِــركِ فــي أَصـلٍ جِـوارُ
لَعَــلَّ بَــنــيــهِــمِ لِبَــنـيـكَ جُـنـدٌ
فَـــأَوَّلُ قُـــرَّحِ الخَــيــلِ المِهــارُ
وَأَنــتَ أَبَــرُّ مَــن لَو عُــقَّ أَفـنـى
وَأَعــفــى مِــن عُـقـوبَـتِهِ البَـوارُ
وَأَقــدَرُ مَــن يُهَــيِّجــُهُ اِنــتِـصـارٌ
وَأَحــلَمُ مَــن يُــحَــلِّمُهُ اِقــتِــدارُ
وَمــا فـي سَـطـوَةِ الأَربـابِ عَـيـبٌ
وَلا فـــي ذِلَّةِ العُـــبــدانِ عــارُ
شاركنا بتعليق وشرح مفيد