قصيدة رَقَّت حَواشي الدَهرُ فَهيَ تَمَرمَرُ للشاعر أَبو تَمّام
رَقَّتـ حَـواشـي الدَهـرُ فَهـيَ تَـمَرمَرُ
وَغَــدا الثَـرى فـي حَـليِهِ يَـتَـكَـسَّرُ
نَـزَلَت مُـقَـدِّمَـةُ المَـصـيـفِ حَـمـيـدَةً
وَيَـدُ الشِـتـاءِ جَـديـدَةٌ لا تُـكـفَـرُ
لَولا الَّذي غَــرَسَ الشِـتـاءُ بِـكَـفِّهِ
لاقـى المَـصـيـفُ هَشائِماً لا تُثمِرُ
كَــم لَيـلَةٍ آسـى البِـلادَ بِـنَـفـسِهِ
فــيــهــا وَيَــومٍ وَبـلُهُ مُـثـعَـنـجِـرُ
مَـطَـرٌ يَـذوبُ الصَـحـوُ مِـنـهُ وَبَـعدَهُ
صَـحـوٌ يَـكـادُ مِـنَ الغَـضـارَةِ يُـمطِرُ
غَــيـثـانِ فَـالأَنـواءُ غَـيـثٌ ظـاهِـرٌ
لَكَ وَجــهُهُ وَالصَــحـوُ غَـيـثٌ مُـضـمَـرُ
وَنَـدىً إِذا اِدَّهَـنَت بِهِ لِمَمُ الثَرى
خِــلتَ السِـحـابَ أَتـاهُ وَهُـوَ مُـعَـذِّرُ
أَرَبَـيـعَـنـا فـي تِـسـعَ عَـشـرَةَ حِـجَّةً
حَــقّــاً لَهِــنَّكــَ لَلرَبــيـعُ الأَزهَـرُ
مـا كـانَـتِ الأَيّـامُ تُـسـلَب بَهـجَـةً
لَو أَنَّ حُــســنَ الرَوضِ كــانَ يُـعَـمَّرُ
أَوَلا تَـرى الأَشـياءَ إِن هِيَ غُيِّرَت
سَـمُـجَـت وَحُـسـنُ الأَرضِ حـيـنَ تُـغَيَّرُ
يـا صـاحِـبَـيَّ تَـقَـصَّيـا نَـظَـرَيـكُـمـا
تَــرَيـا وُجـوهَ الأَرضِ كَـيـفَ تَـصَـوَّرُ
تَـرَيـا نَهـاراً مُـشـمِـسـاً قَـد شابَهُ
زَهـرُ الرُبـا فَـكَـأَنَّمـا هُـوَ مُـقـمِرُ
دُنــيــا مَــعــاشٌ لِلوَرى حَـتّـى إِذا
جُـلِيَ الرَبـيـعُ فَـإِنَّمـا هِـيَ مَـنـظَرُ
أَضـحَـت تَـصـوغُ بُـطـونُهـا لِظُهـورِها
نَــوراً تَــكـادُ لَهُ القُـلوبُ تُـنَـوِّرُ
مِــن كُــلِّ زائِرَةٍ تَـرَقـرَقُ بِـالنَـدى
فَــكَــأَنَّهــا عَــيــنٌ عَــلَيــهِ تَـحَـدَّرُ
تَـبـدو وَيَـحـجُـبُهـا الجَميمُ كَأَنَّها
عَـــذراءُ تَـــبــدو تــارَةً وَتَــخَــفَّرُ
حَــتّــى غَـدَت وَهَـداتُهـا وَنِـجـادُهـا
فِـئَتَـيـنِ فـي خِـلَعِ الرَبـيعِ تَبَختَرُ
مُـــصـــفَــرَّةً مُــحــمَــرَّةً فَــكَــأَنَّهــا
عُــصَـبٌ تَـيَـمَـنَّ فـي الوَغـا وَتَـمَـضَّرُ
مِــن فــاقِــعٍ غَــضِّ النَــبـاتِ كَـأَنَّهُ
دُرُّ يُــشَــقَّقــُ قَــبــلُ ثُــمَّ يُــزَعـفَـرُ
أَو ســاطِــعٍ فـي حُـمـرَةٍ فَـكَـأَنَّ مـا
يَـدنـو إِلَيـهِ مِـنَ الهَـواءِ مُـعَصفَرُ
صُــنــعُ الَّذي لَولا بَــدائِعُ صُـنـعِهِ
مـا عـادَ أَصـفَـرَ بَعدَ إِذ هُوَ أَخضَرُ
خُــلُقٌ أَطَــلَّ مِــنَ الرَبــيــعِ كَــأَنَّهُ
خُــلُقُ الإِمــامِ وَهَـديُهُ المُـتَـيَـسِّرُ
في الأَرضِ مِن عَدلِ الإِمامِ وَجودِهِ
وَمِــنَ النَـبـاتِ الغَـضِّ سُـرجٌ تَـزهَـرُ
تُـنـسـى الرِيـاضُ وَمـا يُـرَوَّضُ فِعلُهُ
أَبَــداً عَــلى مَـرِّ اللَيـالي يُـذكَـرُ
إِنَّ الخَـليـفَـةَ حـيـنَ يُـظـلِمُ حـادِثٌ
عَـيـنُ الهُـدى وَلَهُ الخِـلافَةُ مَحجَرُ
كَــثُـرَت بِهِ حَـرَكـاتُهـا وَلَقَـد تُـرى
مِــن فَــتــرَةٍ وَكَــأَنَّهــا تَــتَــفَــكَّرُ
مـا زِلتُ أَعـلَمُ أَنَّ عُـقـدَةَ أَمـرِهـا
فــي كَــفِّهــِ مُــذ خُــلِّيَــت تَــتَـخَـيَّرُ
سَـكَـنَ الزَمـانُ فَـلا يَـدٌ مَـذمـومَـةٌ
لِلحـــادِثـــاتِ وَلا سَــوامٌ يُــذعَــرُ
نَـظَـمَ البِـلادَ فَـأَصـبَـحَـت وَكَـأَنَّها
عِــقــدٌ كَــأَنَّ العَــدلَ فـيـهِ جَـوهَـرُ
لَم يَـبـقَ مَـبـدىً موحِشٌ إِلّا اِرتَوى
مِــن ذِكــرِهِ فَــكَـأَنَّمـا هُـوَ مَـحـضَـرُ
مَــلِكٌ يَــضِــلُّ الفَــخــرُ فـي أَيّـامِهِ
وَيَــقِــلُّ فـي نَـفَـحـاتِهِ مـا يَـكـثُـرُ
فَـليَـعـسُـرَنَّ عَـلى اللَيـالي بَـعـدَهُ
أَن يُــبـتَـلى بِـصُـروفِهِـنَّ المُـعـسِـرُ
شاركنا بتعليق وشرح مفيد