قصيدة دَمعٌ جَرى فَقَضى في الرَبعِ ماوَجَبا للشاعر المُتَنَبّي
دَمـعٌ جَـرى فَـقَـضـى فـي الرَبعِ ماوَجَبا
لِأَهـــلِهِ وَشَـــفـــى أَنّـــى وَلا كَــرَبــا
عُـجـنـا فَـأَذهَبَ ما أَبقى الفِراقُ لَنا
مِــنَ العُــقــولِ وَمــا رَدَّ الَّذي ذَهَـبـا
سَـــقَـــيــتُهُ عَــبَــراتٍ ظَــنَّهــا مَــطَــراً
سَــوائِلاً مِــن جُــفــونٍ ظَــنَّهـا سُـحُـبـا
دارُ المُـــلِمِّ لَهـــا طَــيــفٌ تَهَــدَّدَنــي
لَيـلاً فَـمـا صَـدَقَـت عَـيـنـي وَلا كَذَبا
نــاءَيــتُهُ فَــدَنــا أَدنَــيــتُهُ فَــنَــأى
جَـــمَّشـــتُهُ فَــنَــبــا قَــبَّلــتُهُ فَــأَبــى
هــامَ الفُــؤادُ بِــأَعــرابِــيَّةـٍ سَـكَـنَـت
بَـيـتـاً مِـنَ القَلبِ لَم تَمدُد لَهُ طُنُبا
مَـظـلومَـةُ القَـدِّ فـي تَـشـبـيـهِهِ غُـصُناً
مَـظـلومَـةُ الريـقِ فـي تَـشـبـيهِهِ ضَرَبا
بَـيـضـاءُ تُـطـمِـعُ فـيـمـا تَـحـتَ حُـلَّتِها
وَعَـــزَّ ذَلِكَ مَـــطـــلوبـــاً إِذا طُــلِبــا
كَــأَنَّهــا الشَـمـسُ يُـعـيِـي كَـفَّ قـابِـضِهِ
شُــعــاعُهــا وَيَـراهُ الطَـرفُ مُـقـتَـرِبـا
مَـرَّت بِـنـا بَـيـنَ تِـربَـيـها فَقُلتُ لَها
مِـن أَيـنَ جـانَـسَ هَذا الشادِنُ العَرَبا
فَـاِسـتَـضـحَـكَـت ثُمَّ قالَت كَالمُغيثِ يُرى
لَيثَ الشَرى وَهوَ مِن عِجلٍ إِذا اِنتَسَبا
جـاءَت بِـأَشـجَـعَ مَـن يُـسـمـى وَأَسمَحَ مَن
أَعـطـى وَأَبـلَغَ مَـن أَمـلى وَمَـن كَـتَـبا
لَو حَــلَّ خــاطِــرُهُ فــي مُــقـعَـدٍ لَمَـشـى
أَو جــاهِــلٍ لَصَــحــا أَو أَخـرَسٍ خَـطَـبـا
إِذا بَــدا حَــجَــبَـت عَـيـنَـيـكَ هَـيـبَـتُهُ
وَلَيــسَ يَــحـجُـبُهُ سِـتـرٌ إِذا اِحـتَـجَـبـا
بَــيــاضُ وَجــهٍ يُـريـكَ الشَـمـسَ حـالِكَـةً
وَدُرُّ لَفــظٍ يُــريــكَ الدُرَّ مَــخــشَــلَبــا
وَسَــيــفُ عَــزمٍ تَــرُدُّ السَــيــفَ هِــبَّتــُهُ
رَطـبَ الغِـرارِ مِـنَ التَـأمـورِ مُـختَضِبا
عُــمــرُ العَــدوِّ إِذا لاقــاهُ فـي رَهَـجٍ
أَقَـلُّ مِـن عُـمـرِ مـا يَـحـوي إِذا وَهَـبا
تَــوَقَّهــُ فَــمَــتــى مــا شِــئتَ تَــبــلُوَهُ
فَــكُــن مُــعــادِيَهُ أَو كُــن لَهُ نَــشَـبـا
تَــحــلو مَــذاقَــتُهُ حَــتّـى إِذا غَـضِـبـا
حـالَت فَـلَو قَطَرَت في الماءِ ما شُرِبا
وَتَــغـبِـطُ الأَرضُ مِـنـهـا حَـيـثُ حَـلَّ بِهِ
وَتَـحـسُـدُ الخَـيـلُ مِـنـهـا أَيَّهـا رَكِـبا
وَلا يَــــرُدُّ بِــــفـــيـــهِ كَـــفَّ ســـائِلِهِ
عَــن نَـفـسِهِ وَيَـرُدُّ الجَـحـفَـلَ اللَجِـبـا
وَكُـــلَّمـــا لَقِــيَ الديــنــارُ صــاحِــبَهُ
فـي مُـلكِهِ اِفـتَـرَقـا مِـن قَبلِ يَصطَحِبا
مــالٌ كَــأَنَّ غُــرابَ البَــيــنِ يَــرقُــبُهُ
فَــكُــلَّمــا قــيـلَ هَـذا مُـجـتَـدٍ نَـعَـبـا
بَــحــرٌ عَــجــائِبُهُ لَم تُــبـقِ فـي سَـمَـرٍ
وَلا عَــجــائِبِ بَــحــرٍ بَـعـدَهـا عَـجَـبـا
لا يُــقــنِــعُ اِبـنَ عَـليٍّ نَـيـلُ مَـنـزِلَةٍ
يَـشـكـو مُـحـاوِلُهـا التَقصيرَ وَالتَعَبا
هَــزَّ اللِواءَ بَــنــو عِــجــلٍ بِهِ فَـغَـدا
رَأســاً لَهُــم وَغَــدا كُــلٌّ لَهُــم ذَنَـبـا
التــارِكــيـنَ مِـنَ الأَشـيـاءِ أَهـوَنَهـا
وَالراكِـبـيـنَ مِـنَ الأَشـيـاءِ ما صَعُبا
مُـبَـرقِـعـي خَـيـلِهِـم بِـالبـيـضِ مُـتَّخـِذي
هـامِ الكُـمـاةِ عَـلى أَرمـاحِهِـم عَـذَبـا
إِنَّ المَــنِــيَّةــَ لَو لاقَــتــهُــمُ وَقَـفَـت
خَــرقــاءَ تَــتَّهـِمُ الإِقـدامَ وَالهَـرَبـا
مَــراتِــبٌ صَــعِــدَت وَالفِـكـرُ يَـتـبَـعُهـا
فَــجــازَ وَهـوَ عَـلى آثـارِهـا الشُهُـبـا
مَــحــامِــدٌ نَــزَفَــت شِــعـري لِيَـمـلَأَهـا
فَــآلَ مـا اِمـتَـلَأَت مِـنـهُ وَلا نَـضَـبـا
مَــكــارِمٌ لَكَ فُــتَّ العــالَمــيــنَ بِهــا
مَــن يَــســتَــطـيـعُ لِأَمـرٍ فـائِتٍ طَـلَبـا
لَمّــا أَقَــمــتَ بِـإِنـطـاكِـيَّةـَ اِخـتَـلَفَـت
إِلَيَّ بِــالخَــبَـرِ الرُكـبـانُ فـي حَـلَبـا
فَــسِــرتُ نَــحــوَكَ لا أَلوي عَــلى أَحَــدٍ
أَحُـــثُّ راحِـــلَتَــيَّ الفَــقــرَ وَالأَدَبــا
أَذاقَــنــي زَمَــنــي بَـلوى شَـرِقـتُ بِهـا
لَو ذاقَهـا لَبَـكـى مـا عـاشَ وَاِنـتَحَبا
وَإِن عَـــمَـــرتُ جَــعَــلتُ الحَــربَ والِدَةً
وَالسَــمــهَــرِيَّ أَخــاً وَالمَـشـرَفِـيَّ أَبـا
بِـكُـلِّ أَشـعَـثَ يَـلقـى المَـوتَ مُـبـتَـسِماً
حَـــتّـــى كَــأَنَّ لَهُ فــي قَــتــلِهِ أَرَبــا
قُــحٍّ يَــكــادُ صَهــيــلُ الخَـيـلِ يَـقـذِفُهُ
عَـن سَـرجِهِ مَـرَحـاً بِـالغَـزوِ أَو طَـرَبـا
فَـالمَـوتُ أَعـذَرُ لي وَالصَـبرُ أَجمَلُ بي
وَالبَــرُّ أَوسَـعُ وَالدُنـيـا لِمَـن غَـلَبـا
شاركنا بتعليق وشرح مفيد