Blog Image

قصيدة حَتّامَ نَحنُ نُساري النَجمَ في الظُلَمِ للشاعر المُتَنَبّي


حَـتّـامَ نَـحـنُ نُـسـاري النَجمَ في الظُلَمِ

وَمــــا سُــــراهُ عَــــلى خُـــفٍّ وَلا قَـــدَمِ


وَلا يُـــحِـــسُّ بِـــأَجـــفــانٍ يُــحِــسُّ بِهــا

فَــقــدَ الرُقــادِ غَــريـبٌ بـاتَ لَم يَـنَـمِ


تُــسَــوِّدُ الشَــمــسُ مِـنّـا بـيـضَ أَوجُهِـنـا

وَلا تُـــسَـــوِّدُ بــيــضَ العُــذرِ وَاللِمَــمِ


وَكــانَ حــالُهُــمــا فـي الحُـكـمِ واحِـدَةً

لَوِ اِحـتَـكَـمـنـا مِـنَ الدُنـيـا إِلى حَكَمِ


وَنَــتــرُكُ المــاءَ لا يَـنـفَـكُّ مِـن سَـفَـرٍ

ما سارَ في الغَيمِ مِنهُ سارَ في الأَدَمِ


لا أُبــغِـضُ العـيـسَ لَكِـنّـي وَقَـيـتُ بِهـا

قَـلبـي مِـنَ الحُـزنِ أَو جِسمي مِنَ السَقَمِ


طَــرَدتُ مِــن مِـصـرَ أَيـديـهـا بِـأَرجُـلِهـا

حَــتّــى مَــرَقـنَ بِـنـا مِـن جَـوشَ وَالعَـلَمِ


تَــبــري لَهُــنَّ نَــعــامُ الدَوِّ مُــســرَجَــةً

تُــعــارِضُ الجُــدُلَ المُــرخــاةَ بِـاللُجُـمِ


فــي غِـلمَـةٍ أَخـطَـروا أَرواحَهُـم وَرَضـوا

بِــمــا لَقـيـنَ رِضـا الأَيـسـارِ بِـالزَلَمِ


تَــبـدو لَنـا كُـلَّمـا أَلقَـوا عَـمـائِمَهُـم

عَـــمـــائِمٌ خُـــلِقَـــت ســوداً بِــلا لُثُــمِ


بــيـضُ العَـوارِضِ طَـعّـانـونَ مَـن لَحِـقـوا

مِــــنَ الفَــــوارِسِ شَــــلّالونَ لِلنَـــعَـــمِ


قَــد بَــلَّغــوا بِــقَـنـاهُـم فَـوقَ طـاقَـتِهِ

وَلَيــسَ يَــبـلُغُ مـا فـيـهِـم مِـنَ الهِـمَـمِ


فــي الجــاهِــلِيَّةــِ إِلّا أَنَّ أَنــفُــسَهُــم

مِــن طــيـبِهِـنَّ بِهِ فـي الأَشـهُـرِ الحُـرُمِ


نـاشـوا الرِمـاحَ وَكـانَـت غَـيـرَ نـاطِقَةٍ

فَـعَـلَّمـوهـا صِـيـاحَ الطَـيـرِ فـي البُهَـمِ


تَـخـدي الرِكـابُ بِـنـا بـيـضـاً مَشافِرُها

خُـضـراً فَـراسِـنُهـا فـي الرُغـلِ وَاليَـنَمِ


مَــكــعــومَـةً بِـسِـيـاطِ القَـومِ نَـضـرِبُهـا

عَـن مَـنـبِـتِ العُـشـبِ نَبغي مَنبِتَ الكَرَمِ


وَأَيــنَ مَــنــبِــتُهُ مِــن بَــعــدِ مَــنـبِـتِهِ

أَبــي شُــجــاعِ قَــريـعِ العُـربِ وَالعَـجَـمِ


لا فــاتِــكٌ آخَــرٌ فــي مِــصــرَ نَــقـصِـدُهُ

وَلا لَهُ خَــــلَفٌ فـــي النـــاسِ كُـــلِّهِـــمِ


مَــن لا تُــشـابِهُهُ الأَحـيـاءُ فـي شِـيَـمِ

أَمــسـى تُـشـابِهُهُ الأَمـواتُ فـي الرِمَـمِ


عَــــدِمــــتُهُ وَكَــــأَنّــــي سِـــرتُ أَطـــلُبُهُ

فَــمـا تَـزيـدُنِـيَ الدُنـيـا عَـلى العَـدَمِ


مــا زِلتُ أُضــحِــكُ إِبــلي كُـلَّمـا نَـظَـرَت

إِلى مَــنِ اِخــتَــضَــبَــت أَخـفـافُهـا بِـدَمِ


أُســيــرُهــا بَــيــنَ أَصــنـامٍ أُشـاهِـدُهـا

وَلا أُشــاهِــدُ فــيــهــا عِــفَّةــَ الصَـنَـمِ


حَــتّــى رَجَــعــتُ وَأَقــلامــي قَــوائِلُ لي

المَــجــدُ لِلسَـيـفِ لَيـسَ المَـجـدُ لِلقَـلَمِ


اِكــتُـب بِـنـا أَبَـداً بَـعـدَ الكِـتـابِ بِهِ

فَــإِنَّمــا نَــحــنُ لِلأَســيــافِ كَــالخَــدَمِ


أَســمَــعــتِــنــي وَدَوائي مــا أَشَــرتِ بِهِ

فَـــإِن غَـــفِـــلتُ فَـــدائي قِــلَّةُ الفَهَــمِ


مَــنِ اِقــتَـضـى بِـسِـوى الهِـنـدِيِّ حـاجَـتَهُ

أَجــــابَ كُــــلَّ سُـــؤالٍ عَـــن هَـــلٍ بِـــلَمِ


تَــوَهَّمــَ القَــومُ أَنَّ العَــجــزَ قَــرَّبَـنـا

وَفــي التَـقَـرُّبِ مـا يَـدعـو إِلى التِهَـمِ


وَلَم تَــزَل قِــلَّةُ الإِنــصــافِ قــاطِــعَــةً

بَــيــنَ الرِجـالِ وَلَو كـانـوا ذَوي رَحِـمِ


فَـــــلا زِيـــــارَةَ إِلّا أَن تَــــزورَهُــــمُ

أَيــدٍ نَــشَــأنَ مَــعَ المَـصـقـولَةِ الخُـذُمِ


مِــن كُــلِّ قــاضِــيَّةــٍ بِــالمَــوتِ شَـفـرَتُهُ

مــا بَــيــنَ مُــنــتَـقَـمٍ مِـنـهُ وَمُـنـتَـقِـمِ


صُــنّــا قَــوائِمَهـا عَـنـهُـم فَـمـا وَقَـعَـت

مَـواقِـعَ اللُؤمِ في الأَيدي وَلا الكَزَمِ


هَــوِّن عَــلى بَــصَــرٍ مــا شَــقَّ مَــنــظَــرُهُ

فَــإِنَّمــا يَــقَــظــاتُ العَــيــنِ كَـالحُـلُمِ


وَلا تَـــشَـــكَّ إِلى خَـــلقٍ فَـــتُـــشـــمِــتَهُ

شَـكـوى الجَـريـحِ إِلى الغِربانِ وَالرَخَمِ


وَكُـــن عَـــلى حَـــذَرٍ لِلنـــاسِ تَــســتُــرُهُ

وَلا يَــغُــرُّكَ مِــنــهُــم ثَــغــرُ مُـبـتَـسِـمُ


غــاضَ الوَفــاءُ فَـمـا تَـلقـاهُ فـي عِـدَةٍ

وَأَعـوَزَ الصِـدقُ فـي الإِخـبـارِ وَالقَـسَمِ


سُــبــحــانَ خــالِقِ نَـفـسـي كَـيـفَ لَذَّتُهـا

فــيــمـا النُـفـوسُ تَـراهُ غـايَـةُ الأَلَمِ


الدَهــرُ يَــعــجَــبُ مِــن حَــمـلي نَـوائِبَهُ

وَصَــبــرِ جِــسـمـي عَـلى أَحـداثِهِ الحُـطُـمِ


وَقـــتٌ يَـــضـــيـــعُ وَعُــمــرٌ لَيــتَ مُــدَّتَهُ

فــي غَــيــرِ أُمَّتــِهِ مِــن ســالِفِ الأُمَــمِ


أَتــى الزَمــانَ بَــنــوهُ فــي شَـبـيـبَـتِهِ

فَـــسَـــرَّهُــم وَأَتَــيــنــاهُ عَــلى الهَــرَمِ


شاركنا بتعليق وشرح مفيد