قصيدة أَيَدري الرَبعُ أَيَّ دَمٍ أَراقا للشاعر المُتَنَبّي
أَيَــدري الرَبـعُ أَيَّ دَمٍ أَراقـا
وَأَيَّ قُـلوبِ هَـذا الرَكـبِ شـاقا
لَنـــا وَلِأَهـــلِهِ أَبَــداً قُــلوبٌ
تَـلاقـى فـي جُـسـومٍ مـا تَلاقى
وَمـا عَـفَـتِ الرِيـاحُ لَهُ مَـحَـلّاً
عَــفـاهُ مَـن حَـدا بِهِـمِ وَسـاقـا
فَـلَيـتَ هَوى الأَحِبَّةِ كانَ عَدلاً
فَــحَــمَّلـَ كُـلَّ قَـلبٍ مـا أَطـاقـا
نَـظَـرتُ إِلَيـهِـمُ وَالعَـيـنُ شَكرى
فَــصـارَت كُـلُّهـا لِلدَمـعِ مـاقـا
وَقَد أَخَذَ التَمامُ البَدرُ فيهِم
وَأَعـطـاني مِنَ السَقَمِ المُحاقا
وَبَـيـنَ الفَـرعِ وَالقَـدَمَينِ نورٌ
يَـقـودُ بِـلا أَزِمَّتـِها النِياقا
وَطَـرفٌ إِن سَـقـى العُـشّاقَ كَأساً
بِهـا نَـقـصٌ سَـقـانـيـهـا دِهاقا
وَخَـصـرٌ تَـثـبُـتُ الأَبـصـارُ فـيهِ
كَـأَنَّ عَـلَيـهِ مِـن حَـدَقِ نِـطـاقـا
سَـلي عَـن سـيـرَتي فَرَسي وَسَيفي
وَرُمـحـي وَالهَـمَـلَّعَـةِ الدِفـاقا
تَـرَكـنا مِن وَراءِ العيسِ نَجداً
وَنَـكَّبـنـا السَـماوَةَ وَالعِراقا
فَـمـا زالَت تَـرى وَاللَيـلُ داجٍ
لِسَيفِ الدَولَةِ المَلِكِ اِئتِلافا
أَدِلَّتُهــا رِيــاحُ المِـسـكِ مِـنـهُ
إِذا فَـتَـحَت مَناخِرَها اِنتِشاقا
أَبـاحَـكِ أَيُّها الوَحشُ الأَعادي
فَـلِم تَـتَـعَـرَّضـيـنَ لَهُ الرِفاقا
وَلَو تَــبَّعـتِ مـا طَـرَحَـت قَـنـاهُ
لَكَــفَّكـِ عَـن رَذايـانـا وَعـاقـا
وَلَو سِــرنــا إِلَيـهِ فـي طَـريـقٍ
مِنَ النيرانِ لَم نَخَفِ اِحتِراقا
إِمـــامٌ للِائمَّةـــِ مِــن قُــرَيــشٍ
إِلى مَــن يَــتَّقـونَ لَهُ شِـقـاقـا
يَـكـونُ لَهُم إِذا غَضِبوا حُساماً
وَلِلهَـيـجـاءِ حـيـنَ تَـقومُ ساقا
فَـلا تَـسـتَـنـكِـرَنَّ لَهُ اِبتِساماً
إِذا فَهِـقَ المَـكَـرُّ دَمـاً وَضاقا
فَقَد ضَمِنَت لَهُ المُهَجَ العَوالي
وَحَـمَّلـَ هَـمَّهـُ الخَـيـلَ العِتاقا
إِذا أُنــعِــلنَ فــي آثـارِ قَـومٍ
وَإِن بَـعُـدوا جَـعَـلنَهُـمُ طِـراقا
وَإِن نَـقَـعَ الصَـريـخُ إِلى مَكانٍ
نَــصَــبــنَ لَهُ مُــؤَلَّلَةً دِقــاقــا
فَـكـانَ الطَـعـنُ بَينَهُما جَواباً
وَكـانَ اللَبـثُ بَـيـنَهُما فُواقا
مُـلاقِـيَـةً نَـواصـيـها المَنايا
مُــعَـوَّدَةً فَـوارِسُهـا العِـنـاقـا
تَـبـيـتُ رِمـاحُهُ فَـوقَ الهَـوادي
وَقَـد ضَـرَبَ العَجاجُ لَها رِواقا
تَـمـيلُ كَأَنَّ في الأَبطالِ خَمراً
عُلِلنَ بِها اِصطِباحاً وَاِغتِباقا
تَـعَـجَّبـَتِ المُـدامُ وَقَـد حَـساها
فَـلَم يَـسـكَـر وَجادَ فَما أَفاقا
أَقـامَ الشِـعرُ يَنتَظِرُ العَطايا
فَـلَمّـا فـاقَـتِ الأَمـطـارَ فاقا
وَزَنّـا قـيـمَـةَ الدَهـمـاءِ مِـنـهُ
وَوَفَّيـنـا القِيانَ بِهِ الصَداقا
وَحـاشـا لِاِرتِـيـاحِكَ أَن يُبارى
وَلِلكَـرَمِ الَّذي لَكَ أَن يُـبـاقـى
وَلَكِــنّــا نُـداعِـبُ مِـنـكَ قَـرمـاً
تَـراجَـعَـتِ القُـرومُ لَهُ حِـقـاقا
فَـتـىً لا تَـسـلُبُ القَتلى يَداهُ
وَيَسلُبُ عَفوُهُ الأَسرى الوَثاقا
وَلَم تَـأتِ الجَـمـيـلَ إِلَيَّ سَهواً
وَلَم أَظـفَـر بِهِ مِـنـكَ اِستِراقا
فَــأَبــلِغ حــاسِـدِيَّ عَـلَيـكَ أَنّـي
كَـبـا بَـرقٌ يُـحـاوِلُ بـي لَحاقا
وَهَـل تُـغـنـي الرَسائِلُ في عَدوٍّ
إِذا مـا لَم يَـكُـنَّ ظُـبىً رِقاقا
إِذا مـا النـاسُ جَـرَّبَهُـم لَبيبٌ
فَــإِنّــي قَــد أَكَــلتُهُـمُ وَذاقـا
فَــلَم أَرَ وُدَّهُــم إِلّا خِــداعــاً
وَلَم أَرَ ديــنَهُـم إِلّا نِـفـاقـا
يُـقَـصِّرُ عَـن يَـمـيـنِـكَ كُـلُّ بَـحـرٍ
وَعَــمّــا لَم تُـلِقـهُ مـا أَلاقـا
وَلَولا قُــدرَةُ الخَــلّاقِ قُـلنـا
أَعَـمـداً كـانَ خَـلقُكَ أَم وِفاقا
فَـلا حَـطَّتـ لَكَ الهَـيجاءُ سَرجاً
وَلا ذاقَـت لَكَ الدُنـيا فِراقا
شاركنا بتعليق وشرح مفيد